ندم متأخر لضياع الشرف - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


ندم متأخر لضياع الشرف
«عيون الواقع» (اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لموقع جولاني) - 05\06\2010

في دكان صغير بدأت الحكاية..قال لها وبأعلى صوت:أحبك...
انساب جسدها بين ذراعيه شوقاً،واحمرت وجنتاها خجلاً، وأخذت بين أحضانه تذوب...

كان بائعاً للملابس، يملك بعض الخرق في دكان صغير موجود في حارة ضيقه، أهلها طيبون، لا يعرفون معنى للنذالة واليأس، أما هو فكان المختلف بينهم ، لا يعرف قيمة الطيبة، ولا يعلم ما يعني الأمل، لا يدرك شيئاً سوى النذالة...

قال:سأريك أحدث البضاعة التي اشتريتها، يمكنك أن تختاري ما تشائين.. ففرحت وبدأت تفتش الملابس لتختار شيئاً منها. فنجوى فتاة صغيره تثق بالجميع ولا تعرف بالنوايا، وعندها ومنذ ذلك اليوم بدأ الإعجاب بينهما، وأخذت النظرات تتكاثر بين الاثنين واللقاءات تقوى، والشوق يكبر. نجوى تقضي يومها في الدكان وليس هناك من رادع، فالأب توفي في حادث أليم، والأم تعمل خادمه في أحد بيوت الأغنياء.. تعمل لتأمين لقمة عيش كريم لها ولأبنتها الوحيدة، وتحاول كل ما بوسعها دفع أقساط تعليم نجوى، فوعدتها بدخول كلية الطب ويا ليتها وفت..

في يوم خريفي رحلت الأوراق مع سرقة الشرف، وذبلت الزهور بموت احمرار الخدود، ولم يبقَ للخجل معنى. دخلت نجوى الدكان كعادتها بأبهى حلة، رائعة الجمال، مغناج، استقبلها كالعاشق الولهان، غازلها ولأول مره حضنها، وهي لم تأبه، فكلها ملكه، وهذا ما جعله يقفل الدكان ويأخذ ما لم يكن بالحسبان...

لم تنزعج الفتاة.. بل على العكس شعرت بأنوثتها.. وعادت وكأن شيئاً لم يكن...

وبقيت النظرات والجلسات قائمة، إلا أنَّ نجوى لاحظت يوماً تغيراً طرأ فجأة. أحست بوجع في البطن، وبدأت بالتقيؤ، كرهت طعاماً كانت تحبه، وأحبت آخر كانت تكرهه. انقلبت أحوالها، فما كان أمام أمها ألا أخذها إلى الطبيب، وهذا ما حصل.

بعد الفحص قال الطبيب: أنا لا استطيع إخفاء شيء عن الوالدة وسأقول كل ما عندي.. وأكمل: نجوى أنت فتاة في أوج مراحل حياتك، وهذا خطأ كبير. لماذا قمت به؟ فها أنت حامل...

عندها أخفضت نجوى رأسها خجلاً. لا تعرف ماذا تقول. فهي قامت بخطأ كبير لا تغفر عليه. أما والدتها فاغرورقت عيناها بالدموع. فلم تعتقد أن أبنتها التي وثقت بها وفنت عمرها لأجل سعادتها تجازيها بالحمل غير الشرعي وبضياع الشرف.. .

دارت الأحاديث بين الأم وأبنتها عن أب الجنين، وعن الحل، وماذا سيحدث في المستقبل، لكن نجوى رفضت البوح باسمه. لم تقل لوالدتها أن صاحب الدكان هو الأب.. ربما أحبته أو تعلقت بكلامه، فحاولت أن تحل مشكلتها بنفسها.

انهارت الأم.. لم يكن بوسعها فعل شيء. فأبنتها في الثامنة عشرة.
كيف ستخفي أذيال الفضيحة؟
عليها أن تجد حلاً..عندما رأت نجوى أمها بهذه الحالة قررت مواجهة (شريف) والبوح له بالأمر.
ذهبت بكل قوه ودخلت، أستقبلها كعادته بين أحضانه، ولأول مره صدته عنها، وقالت والدموع تحترق على وجنتيها :أنا حامل ..!
أصابه الذهول. لم يجب. بقي صامتاً. أعادت كلامها بكل ثقة وقالت:أنا حامل منك.
قال بتلعثم، والتعجب ظاهر بين كلماته:أصمتي أيتها الحمقاء، اذهبي وابحثي عن أب لطفلك، لا تتهمي هكذا! بكت. صرخت. ضربت. لم يأبه. لم يفعل شيئاً. بقي عند كلامه. فهو ليس مسؤولاً عن شيء...

اسودت الدنيا في عيون متأملة، ولعب القدر دوره في نصيبها، وانهارت أحلام وردية، فساد البؤس.

مرت عدة أيام وبقي كل شيء على حاله. نجوى بين أوساط الألم والدموع، ووالدتها واقعة في حيرة من أمرها، مشغولة الفكر دائما. أما (شريف) فسافر، أو بمعنى أخر هرب من خطأ اقترفه، كان ليدفع ثمنه الزواج، لكنه فرَّ عسى أن ينساه وينجو من عقابه.
في يوم شاء القدر وذهبت نجوى لزيارة الطبيب. في طريقها للعيادة مرت سيارة مسرعه وصدمتها. نقلت للمشفى فأجهضت الجنين، وأصيبت إصابات خفيفة لا خطورة فيها، لكن ما سبب ظلام حياتها رحل، بالرغم من أنَّ الأمل وسبب الجرح لا زال موجوداً.. لكنه بعيد...

مرت على (شريف) شهور صعبة، أحسَّ فيها بشوق لنجوى. لم يعلم أنَّه أحبَّها فعلا. اشتاق إليها، لضحكتها، لبريق عينيها، شعر بخجل لفعلته الدنيئة، واخذ الندم يقتله، عندها قرر العودة وإصلاح أخطائه لعلها تغفر له...

حجز على أول طائرة، وفور وصوله إلى بلاده ذهب لزيارتها وفي عيونه أسف جلي، وبين أحضانه ذكريات لا تنسى، فقد وصلت الحياة إلى مفترق طويل ليس له بداية ولا تتوقع نهايته.. علم بحادثتها، فحمل معه باقة من الورد الأبيض مزين بالأحمر، عسى أن يترجم حبه..

فتح الباب وانبثقت من العيون العبارات الحزينة، من الجانبين. نجوى حاولت إغلاق الباب، منعها، لكنها وبكل ما أوتيت من قوة استطاعت إغلاقه، وانهارت باكية ضعيفة أمام حب خائن.. أعاد المحاولة مراراً وتكراراً، ولم يلق أي استجابة. حاول الحديث معها أياما فلم تجب. ذهب لرؤيتها فلم تسمح له. بقي يائساً متألماً، دُفنت أماله، وحبه ظل يعذبه مدى الحياة، فارتكب خطيئة لم يعلم أنها ستتسبب بعذابه مدى العمر...

أكملت هي حياتها مع ذكريات أليمة، بين جدران وهمية باردة، لم تكمل تعليمها، وأصبحت تعمل كأُمها خادمة..

وأكمل هو حياته مع حب دفين وخطأ يؤنب ضميره إلى الأبد...